كيف تتخلص من التوتر؟

Share Button
nnc39

 

من منا لا يتعرض للتوتر في حياته؟! لا أعتقد أن هذا الصنف من الناس موجود إذا استثنينا الأطفال، التوتر صاحب كل من يعمل، كل من يحاول بكد أن يجعل من حياته أو حياة الناس حياةً أفضل، وكلما كبر الإنسان وزادت متعلقاته بالحياة زادت معها همومه ومسؤولياته..

فبدءاً من الحياة الجامعية وانتهاءً بتكوين الأسرة، وحتى فترة الشيخوخة سيترتب عليك أعمال وواجبات لا تحصى، وبما أن الوقت هو العامل المتحكم بهذه الأمور، يقع الكثير منا في توتر يمنعه من التركيز على أعماله لانشغاله بالكثير منها في وقت ضيق جداً..

ولكن.. هل تعتقد أن ذلك يذهب كله بدون آثار سلبية عليك؟! بالطبع لا، ولعلك تتساءل عن سبب وقوعك في هذه الحالة العصيبة والتي لا تستطيع أن تتحكم بها لأنها تبدو وكأنها خارجة عن إرادتك، فعقلك يقوم بها من دون استشارتك أو منحك مساحة للتفكير فيما إذا كانت تضرك أو تنفعك.

في الحقيقة يعد التوتر استجابة طبيعية لتفكيرك في أمور كثيرة عليك إنجازها بأقل وقت ممكن، هذه الحالة تحفز العقل وتجعله يضع الجسم بكامله في حالة استعداد أو استنفار تام، وهي حالة تعد مشابهة جداً لمواجهتك خطراً ما، حيث تنطلق كميات كبيرة من هرمونات التوتر التي أهمها الأدرينالين إلى مجرى دمك..

والأدرينالين يسبب التحرر السريع لسكر الغلوكوز في الجسم إلى مجرى الدم، مما يمنحك الطاقة لإنجاز هذه المهام المتعددة، فتشعر بارتفاع درجة حرارة جسمك وتتعرق كثيراً، وكأن الجسم كله قام يساعدك على إنجاز أعمالك مستخدماً أقصى طاقته في سبيل ذلك..

حسناً..  يبدو أن المفهوم العلمي لها ليس بهذا السوء، حيث تبدو عاملاً إيجابياً، لكن الحقيقة الكاملة لهذا المفهوم هي أن هرمون الأدرينالين الذي لعب دوراً إيجابياً مقوياً، سيلعب بالمقابل دوراً آخر سلبياً، فسيقوم بوضع نظام الجسم الهضمي والمناعي في حالة سبات أو إيقاف عن العمل، إذ لا تكفي الطاقة التي تحتاجها لإنجاز أعمالك متطلبات الجسم كلها دفعة واحدة..

 

الآثار المرضيّة المترتبة على ذلك..

تعد هرمونات التوتر عاملاً مساعداً على إنجاز الأعمال وتلافي الأخطار بسرعة كما ذكرت، فمثلاً إذا كنت تهرب من نمر يجاول اصطيادك، سيساعدك هذا الهرمون على التفكير والتخطيط للهرب بشكل أسرع بكثير من المعتاد، وسيمد العضلات التي تحتاجها للهرب بالطاقة القصوى، بالمقابل سيثبط جهازك الهضمي والمناعي.

وإذا دام هذا الأثر لفترة قليلة فلن يؤدي إلى آثار سلبية، أما على المدى الطويل (كرعاية طفل معاق، أو البقاء طويلاً في بيئة قد تتعرض فيها للموت…)  سيؤدي بقاء هرمونات التوتر في مجرى الدم إلى آثار مدمرة على الكريات البيضاء المناعية، وبالتحديد ما يدعى بالقسيم الانتهائي (Telomere) في بنية الـDNA، وهو الجزء المسؤول عن حسن سير العمليات الوراثية في الخلايا بشكل عام..

وكما نعلم، هذه العمليات الوراثية لا تتوقف، فهي ضرورية لإنتاج الأضداد التي تحارب بها الكريات البيضاء كل الآفات التي يتعرض لها الجسم يومياً دون أن نشعر، كما أن هذا القسيم يعد محدداً أساسياً للعمر الخلوي، وكلما قصر طوله كان هذا إشارة إلى قرب حتف الخلية الحية..

السيء في الأمر أن هرمونات التوتر ستؤدي إلى هذه النتائج الكارثية على مستوى الكريات البيضاء المناعية، مما سيؤدي إلى ضعف النظام المناعي يوماً بعد يوم كنتيجة طبيعية لوجود هرمونات التوتر التي منعت من تنظيم طول هذا القسيم الانتهائي، وبالتالي عجز الكريات البيضاء عن أداء وظائفها على أكمل وجه، فلا غرابة إذاً من ملاحظة ضعف جسم من يتعرض للتوتر كثيراً ومعاناته للأمراض.

هذا وإن هرمونات التوتر معروفة برفعها لضغط الدم الشرياني، واضطراب الصحة العقلية والسمنة، مما قد يؤدي في يوم من الأيام إلى نوبات قلبية حادة قد تودي بحياة المريض، وهو ما نلاحظه عند رجال الأعمال الذين يعانون من توتر دائم نتيجة لمتابعة أسعار الأسهم، وحساب خسارتهم وربحهم في المشاريع التي يقومون بها.

 

في سبيل البحث عن حل..

مقر التوتر والمدير الرئيس له هو الدماغ كما تعلمون، وبالتالي تعد تمارين الاسترخاء كاليوغا وغيرها عاملاً مساعداً على تلافيه، كما أن العلاقات الاجتماعية القوية ساهمت بشكل ملحوظ في تخفيفه، إذا تشكل دعماً نفسياً قوياً، وأحياناً يكون كل ما تحتاجه لإنجاز مهامك بسهولة هو الدعم المعنوي فقط، لا بد أنكم سمعتم بذلك كثيراً..

فضلاً عن ذلك، عليك بتغيير طريقة تفكيرك حول هذه الأمور التي تصيبك بالذعر والتوتر، وبناء تفكير جديد يقوم على تقبل واقعك وإمكانياتك أياً كانت، والعمل بجد لتحقيق أفضل النتائج التي يمكنك الوصول إليها، دون إضاعة وقتك في التفكير باحتمالية الفشل والنتائج السلبية التي ستزيد من تشتيتك وتوترك بدلاً من تهدئتك ومساعدتك على العمل بشكل سليم وفعال.

ذكرت ذلك متحدثة في اجتماعات TED المعروفة، فبينت أن تغيير طريقة تفكيرك حول قضية التوتر قد يجعل منه عاملاً مساعداً وليس مثبطاً، فقد تمت دراسة على حوالي 30 ألف شخص بالغ في أمريكا لحوالي ثماني سنوات..

كانت الدراسة تستفسر عن مقدار التوتر الذي تعرض له كل منهم خلال السنة الماضية، كما تم سؤالهم عن اعتقادهم بشأن التوتر، هل هو ضار أم مفيد؟؟!

وكنتيجة لذلك وجدوا أن احتمال الوفاة لمن يتعرض للتوتر قد ازداد بنسبة 43%، ولكن ذلك كان فقط بالنسبة لمن يعتقد أن التوتر عامل مؤذ له، أما نظراؤهم ممن يعتقدون أن التوتر عامل إيجابي لم يبد عليهم أي دلائل على قرب الوفاة، وصرحت الدراسة نتيجة لذلك أن حوالي 182 ألف أمريكي يموتون سنوياً من الاعتقاد أن التوتر ضار بهم، وليس من التوتر بحد ذاته.

خضع المشتركون لاختبارات تثير التوتر، وتم إخبارهم قبلها أن الاستجابة التوترية التي يتعرضون لها مفيدة لهم عكس ما يعتقدون، فنبض القلب السريع ليس إلا إمداداً بالغذاء لجسمك وعقلك الذي يجتاز الاختبار، سرعة التنفس هي إمداد لك بالأوكسجين الذي يعد طاقة تحتاجها..

والمشتركون الذين وضعوا هذه الرؤية نصب أعينهم كانوا أكثر إيجابية وحيوية وثقة بأنفسهم، والشيء الأكثر أهمية هو تغير نمط استجابة أجهزة الجسم تبعاً لتغير طريقة التفكير، ففي حالة التوتر العادية تتقلص الأوعية الدموية، ويزداد نبض القلب مما يرفع الضغط الشرياني، وهي ليست حالة صحية يبقى فيها الإنسان.

أما عند من غير طريقة تفكيره بالتوتر تغيرت هذه الاستجابة لتبقى نبضات القلب متسارعة لكن الأوعية الدموية كانت مسترخية بحالة طبيعية، مما لم يسمح لضغط الدم بممارسة أثره السلبي! وهي حالة تشبه الاستجابة التي يتعرض لها الجسم عندما يكون في حالة البهجة، أو الشجاعة، فهي حالة تسمح بمرور المغذيات والأوكسجين بكثرة مع زيادة نبض القلب دون الوقوع في مشاكل تضيق الأوعية.. أليس هذا رائعاً؟!

إنك باعتقادك أن التوتر هو تحفز جسمك بكامله لمساعدتك تخلق في عقلك بيئة شبيهة بالبيئة التي تتكون فيه عند شعور البهجة أو الشجاعة، فتخيل مقدار التغير الذي سيطرأ على حالتك التي كانت مأساوية حرجة، ستصبح بعدها منطلقاً واثقاً بنفسك!

أرجو أن يكون هذا الكلام محفزاً لك على تغيير طريقة تفكيرك في كل موقف عصيب تتعرض له، من يدري ربما تتغير حياتك بعد أن كنت تعاني الكثير من الألم جراء توترك الزائد وتفكيرك السلبي تجاهه، ولا تنس دوماً أن تُحِيط نفسك بالناس الذين تحبهم وتهتم بأمرهم ويهتمون لأمرك، فكل هذه العوامل ستجعل منك شخصاً إيجابياً منتجاً وستساعدك على تخطي عقبات الحياة…

المصدر: http://www.arageek.com/
Share Button

اترك تعليقاً

لن ينشر بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!